Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
أدب و نقد
15 juillet 2021

الأدب الإغريقي

الأدب الإغريقي

 

شعر الملاحم عند اليونان
في القرن التاسع أو العاشر قبل الميلاد، كان شاعر ضرير يتنقَّل بين المدن اليونانية في آسيا الصغرى يُنشد الأناشيد، ويُرتل الأساطير التي صِيغت في قوالب الشعر وقوافيه، ذلك هو هومر أو «هوميروس» الذي يُقال عنه إنه مُنشئ الإلياذة والأوذيسة.٤٥ وقد يكون القول صحيحًا، وقد يكون اسم «هوميروس» رمزًا لطائفة من الشعراء أخذ كلٌّ منهم بنصيبه في خلق هاتَين الآيتين. وأيًّا ما كان، فقد كان القدماء يروون هذا الشعر على أنه لشاعرٍ واحد يتنازَع شرَف مولِده كثير من البلدان.

ولسْنا ندري من أمر هوميروس في حياته الخاصة شيئًا؛ إذ إنه لمَّا أتيح لمؤرِّخي اليونان ونُقَّادهم في القرنَين الخامس والرابع قبل الميلاد أن يتعقَّبوا أشخاص التاريخ ويقفوا على أصولهم ليرووا صحيح أخبارهم، كان هوميروس بين أيديهم أسطورةً يعجزون عن تحقيقها كما هو اليوم أسطورة عند الباحث الحديث، فلم يكن اليونان في عصر أفلاطون وأرسطو يعلمون عن شعرائهم السابقين ما نعلمه نحن عن شعرائنا، لأن شعراءنا قريبو العهد بنا، وإذا تجاوزْنا الأوَّلين فقد كانوا يعيشون في عهد الكتابة، وفي خمسة القرون الأخيرة كانوا يعيشون في عصور مطبعةٍ ونشر. أما اليونان في عصر بركليز فلم يكن لهم بالطباعة عهد، وكان عليهم أن يحفظوا أشعار هوميروس عن ظهر قلب. والأرجح أنَّ تلك الأشعار لم تتَّخذ وضعَها وترتيبها كما هي اليوم إلا في القرن السادس قبل الميلاد.

ولم تنشأ رِيبة في نسبة هذه الأشعار إلى شاعر مُعين اسمه هوميروس إلا في أواخر القرن الثامن عشر، وذلك حين أثار هذه المشكلة العالِم الألماني، «فردريك وُلْف»وهي مشكلة لن تجدَ لها حلًّا حاسمًا.

وبعدُ، فما الإلياذة؟ وما الأوذيسة؟

الإلياذة
نشبت بين الآلهة خصومة إذ ألقت إلهة الشقاق «إيريس»بين الأضياف — في حفلة عرس — تفاحةً نُقِشت عليها هذه الكلمات «إلى ربة الجمال.» وكان بين الحضور ثلاثُ إلهات هُن: «جوُنُو» و«فينوس»و«مينرْفا» وكل منهن تزعم لنفسها السيادة في دولة الجمال، وترى أن لها الحق في التفاحة؛ فقرر كبير الآلهة «جُوبتَرْ»٥١ أن يكون «بارسْ»بن «برْيام» ملك طروادة حكمًا بين الإلَهات الثلاث؛ فحكم بارس لِفِينوس٥٤ وأعطاها التفَّاحة؛ فتعرَّض بذلك لسخط الإلهتَين الأُخريين.
وحدث بعد ذلك بقليلٍ أن أبحر «بارس» إلى بلاد اليونان ونزل ضيفًا على «مِينِلاوُس»٥٥ ملك إسبرطة، فأكرم الملك ضيافته؛ ولكنَّ الضيف أساء لمُضيفه؛ إذ أحبَّ زوجته «هِلِنْ»٥٦ وهي امرأة بارعة الجمال وأغراها أن تفرَّ معه من خِدْر زوجها إلى بلدِه طروادة، فثارت لذلك ثائرة «منلاوس» وأهاب بأخدانه ملوك اليونان وأبطالها أن يُعاوِنوه على ردِّ زوجته الهاربة؛ فلبَّى الدعوة من هؤلاء. يُوليسيز،٥٧ وأَخِيل،٥٨ وأَجاكس،٥٩ وديَومِدْ،٦٠ ونِسْطور،٦١ وأَجَامِمْنون،٦٢ أخو منلاوس، وكلهم من الأبطال الفُحول، واختير أجاممنون قائدًا للجيش اليوناني، وكان على رأس الجيش الطروادي «هكتُور» وهو الأبن الأكبر لبريام ملك طروادة وزوج أنْدْرُومَاك.٦٣ وانقسم الآلهة في القتال مُعسكرين، كل جماعة تُناصر فريقًا من المُتحاربين. أما «جونو» و«مينرفا» فكانتا بالطبع في جانب اليونان لتنتقِما من «باريس» وأهله. وأما «فينوس» و«مارس» — وهو إله الحرب — فكانا في جانب طروادة، ومال «نِبْتيون» إلى جانب اليونان، ووقف «جُوبتَر» و«أَبُولو» على الحياد ولبثت الحرب نحو تِسع سنين، ثم حدث خلاف بين أخيل وأجاممنون، ومن هذا الخلاف تبدأ قصة الإلياذة.

يُحدِّثنا الشاعر في السطور الأولى من ملحمته أن الجيش اليوناني الرابض أمام طروادة، قضى عليه الآلهة أن تفتِك به الأمراض، ففشا فيه الطاعون، فلمَّا سُئل العرَّاف عن تعليل هذا القضاء، وأجاب بأنَّ «أبولو» قد رماهم بحِرابه المسمومة، لأنَّ أجاممنون قد أبى أن يفدي ابنة كاهِنِه لمَّا وقعت أسيرةً في إحدى المدن التي فتحها اليونان فقسَّموا بينهم نساءها وأسلابها؛ فما إن سمِع أجاممنون جواب العرَّاف حتى ردَّ للكاهن ابنتَه، واستبدل بها «برْيِسِيس» التي كانت نصيب «أخيل» من السبايا؛ فلم يسَعْ أخيل إلا أن يقفل راجعًا إلى سفينته. وهو يكاد يتميَّز من الغيظ، وأعلن أنه لن يُحارب في صفوف اليونان بعد، وطلَبَ إلى أُمِّه ثيتس — وهي من عرائس البحر — أن تصُبَّ نِقمتها هي المُستبد الغاصِب، ودعا «جوف» أن ينتقِم له من قائد اليونان وجُنده، فأبى «جوف» أن يُنزل باليونانيين شرًّا لأنهم في حِمى زوجته.

وتضرَّعت «ثیتس» إلى «جوبتر» أن يكون لابنها أخيل عونًا على عدوِّه أجاممنون، فأوحى جوبتر إلى أجاممنون حلمًا زائفًا يزعُم له أن طروادة قد آنَ لها أن تسقُط في يدَيه، فعليه أن يُبادر بالهجوم. وانخدع أجاممنون بالحلم، وصفَّ جند اليونان في حَومة الوغى استعدادًا للقتال، إلَّا أخيل وأتباعه الذين غادروا المعمعة غاضبين. وتقدَّم جُند طروادة للقاء اليونان، وعندئذٍ تحدَّى «منلاوس» عدوَّه «بارس» أن يُبارزه بمُفرده، إذ كان هذان الفارسان هما سبب القتال، مُذ اختطف الثاني زوجة الأول، وأُعلنت الهدنة بين الجيشين حتى تتمَّ المبارزة بين القائدَين، فطوَّح بارس برُمحه ولكنه لم ينفُذ في درع مُقاتله، وتأهَّب منلاوس واستعان بجوف ثم:

هَزَّ رُمحه ورماه، فاخترم به درع بارس،
وكانت الضربة قوية فأطاحت بالفارس،
وتمزَّقت عليه الدروع، لكنه اجتنَب أن يُذيقه المَنون،
فأتْبع هذه الطعنة سيفًا سلَّه من غِمده الفِضي،
ورفع السيف ثُم هوى به على العدوِّ فوق الناصية؛
فتحطَّم السيف وانتثرت أجزاؤه من كفِّه البائسة،
 الأوذيسية
سقطت طروادة في أيدي الإغريق، واستعاد «منلاوس» زوجته «هِلن» وعاد بها إلى إسبرطة، كما عاد سائر أبطال الإغريق إلى أوطانهم، إلا «يُولِيسيز» الذي لبِثَت زوجته «بنلوب»٧١ وابنه «تلماكس»٧٢ يرقُبان عودتَه إلى وطنه «إثاكا».٧٣
لم يعُد يوليسيز مع من عاد لأنه خاطر وغامر، والأوذيسية هي قصة هذه المغامرات والمُخاطرات. ومن الممكن تقسيمها إلى ستة أجزاء كل جزءٍ يشتمل على أربع أغان؛ أما الجزء الأول فيدور حول ما لقيَه «تلماكس» من عنتٍ مع الذين جاءوا يخطبون أمَّهُ «بنلوب» ليظفروا بها وبمالها، وفي هذا الجزء وصفٌ لرحلة تلماكس إلى «بيلوس»٧٤ وإلى أسبرطة يتسقَّط الأنباء عن أبيه المفقود. ومضت عشر سنوات بعد سقوط طروادة، ولم تأتِ الأنباء بجديدٍ عن يوليسيز وما عسى أن يكون قد أصابَه من شرٍّ أو خير.
كان يوليسيز في عودته مع جماعةٍ من أتباعه، وبينا هُم في طريق العودة إلى «إثاكا» زلَّ رجاله زلةً فادحة وذبحوا ثيرةً يملكها أحد الأرباب، فأودَوا بحياتهم إلى التهلُكة، وبقي يوليسيز وحيدًا، فقذَفَه البحر إلى جزيرةٍ منعزلة كانت مسكنًا لإحدى عرائس البحر، وهي «كالبسو»،٧٥ وأُعْجبت كالبسو بيوليسيز وأحبَّتْه وأرادت أن تتزوَّج منه؛ فأخذت تُغريه بالزواج وبِنِسيان زوجته، ولم تشُكَّ لحظةً في أنَّ الرجل لا يُمانع أن يستبدل بزوجةٍ فانية زوجةً من عرائس البحر الخالدة، لكن خاب رجاؤها ورفض يوليسيز زواجها، فأمسكتْهُ على جزيرتها زمانًا طويلًا لعلَّه يقلع عن عنادِه فلم يفعل؛ فاجتمع الآلهة على الأولمب ودبَّروا عودة يوليسيز إلى وطنه؛ عودة الرجل الذي:
جاب قَصِيَّ البلاد،
بعد أن أتى على طروادة المقدَّسة وقوَّض أركانها،
وطوَّف حول عالَمٍ تباينَتْ فيه الشعوب
 الشعر الغنائي عند اليونان

منذ أقدم العصور كان ببلاد اليونان قصص شعبي كما كان بها غناء شعبي، ونحن لا نستطيع أن ندَّعي أسبقية أحدِها في الظهور إلا أن يكون ذلك على سبيل الفروض التي لا تستنِد إلَّا إلى الحقائق النفسية العامة. وهنا قد نستطيع أن نُجازف فنقول بأسبقية الغناء لتأصُّله في طبائع البشر، ثم لأنَّ القصص لا ينشأ إلا بتراخي الزمن، وبعد اجتماع أحداثٍ تعود الشعوب أو القبائل إلى ذِكرها.

ذلك إذا نظرنا إلى هذين النوعَين كأدبٍ شعبي، وأما إذا نظرنا إليهما كأدبٍ فني فالثابت تاريخيًّا هو أسبقية القصص الشعري على الغناء. وتلك ظاهرة يُمكن تفسيرها من الناحية التاريخية إذ يمكن تتبُّع المراحل التي انقرض فيها شِعر الملاحم وحلَّ محلَّه الشعر الغنائي.

ويمكن القول بوجهٍ عام إنَّ الشعر القصصي الفني (شعر الملاحم) قد سيطر على بلاد اليونان ثلاثة قرون (من القرن الحادي عشر قبل الميلاد إلى القرن الثامن قبل الميلاد)، ثُم سيطر الشعر الغنائي ثلاثة قرون أخرى (من الثامن قبل الميلاد إلى الخامس). وأخيرًا سيطر الشعر التمثيلي خلال القرنين الخامس والرابع، ومنذ القرن الرابع يمكن القول بأن عصور الإنتاج الحقيقي قد انتهت بغزو المَقدونيين لبلاد اليونان وتحطيمهم لاستقلال مُدُنها.

برجوعِنا إلى الإلياذة والأوذيسية نجد إشاراتٍ إلى الشعر الغنائي؛ ففي مُناسبات كثيرة يُحدثنا هوميروس عن ترديد الجند لنغمات البيان Pean، وهو نشيد دِيني كانوا يُمجِّدون به أبولو أو غيره من آلهتهم. نذكر لذلك مثلًا غناء جُند «أخيل» عندما قَتل قائدهم هكتور أشجع أبطال طروادة. «والآن يا أبناء الآكيين لنعُدْ على نغمات البيان إلى سُفننا الجوفاء ساحبين تلك الجثة. لقد كسَبْنا مجدًا عظيمًا. لقد قتلْنا هكتور الإلهي، هكتور الذي كان أهل طروادة يُجلُّونه كإله.» وكذلك يُشير الشاعر إلى أغاني الرثاء المُسمَّاة باليونانية «ترينوس».٨٩ وذلك عندما بكى صديقه بتروكلس، وعندما بكى بريام وبكت هيكوبا ولدَها هكتور من أعلى الأسوار، وكذلك عندما بكتْهُ جوقة من النساء المُحترفات أولًا ثم سيدات المنزل: هيكوبا وهيلانة وأندروماك ثانيًا بعد أن ردَّ أخيل جثته إلى أهله، بل وفي الأوذيسية يُحدِّثنا هوميروس عن شاعرٍ غنائي مُتجوِّل هو ديمودوكس٩٠ الذي كان يُطرب الملوك في قصورهم بشعرٍ مرِح، فيه إقبال على الحياة.

وإذن، فالنصوص تؤيد وجود شعر غنائي مُعاصر للشعر القصصي أو سابق عليه، ومع ذلك لم يحرِص هوميروس على أنْ يصُوغ ذلك الشعر، ولا أنْ يرويه، وإنما انصرف جُهده إلى كتابة الشعر القصصي. لأنَّ الشعر الغنائي كان نواةً لم تكتمِل.

ثُم في القرون الثلاثة التي سبقت الحروب الميدية (من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الخامس) تطوَّرت بلاد اليونان من الناحيتَين السياسية والعقلية، فقد اختفت الملكيَّات القديمة التي تغنَّى بها هوميروس، وكثُرَت الغزوات والهجرات التي قلبَتْ أوضاع الحياة، وعلى أنقاض الملكية نشأت حكوماتٌ أرستقراطية وحكومات ديمقراطية. ومن حينٍ إلى حين نُظم استبدادية، وفي وسط تلك الحركات والانقلابات أُرهفَ الإحساس، ونمَتِ الشخصية، وتيقَّظ التفكير يبغي إخضاع الأشياء للعقل أو فَهم قوانينها، أو العبارة عن تأثيرها في النفوس.

Publicité
Publicité
Commentaires
Archives
Publicité
Pages
أدب و نقد
Publicité