Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
أدب و نقد
15 juillet 2021

الأدب الفرنسي

 

الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر
Painting of Louis XIV, standing

 الأدب الفرنسي من القرن السابع عشر كـُتِب طوال Grand Siècle في فرنسا، الذي شمل عهود هنري الرابع من فرنسا، ووصاية ماري دى مديتشي، لويس الثالث عشر من فرنسا، ووصاية آن من النمسا (والحرب الأهلية المسماة فروند) وعهد لويس الرابع عشر من فرنسا. أدب تلك الفترة كثيراً ما يـُساوى بكلاسيكية العهد الطويل للويس الرابع عشر، والذي خلاله قادت فرنسا أوروبا في التطور السياسي والثقافي؛ واستطرد كتـّابه في المُثـُل الكلاسيكية للنظام والوضوح والتناسب والذوق السليم. في الواقع، شمل الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر أكثر كثيراً من مجرد الأعمال الكلاسيكية الكبيرة لكل من جان راسين و مدام دى لا فايت.

أوج الكلاسيكية في الأدب الفرنسي 1643 - 1715

لم يكن أوج الأدب الكلاسيكي الفرنسي مواكباً تماماً لعصر لويس الرابع عشر، بل جاء إبان وزارة مازاران وفي الربيع المشرق لهذا العصر (1661-67)، قبل أن ينحي مارس (إله الحرب) ربات الفنون إلى المؤخرة. أما أول حافز للتفجر الأدبي فقد انبعث من تشجيع ريشليو للدراما والشعر، وجاء الثاني من الانتصارات الحربية التي حققها الفرنسيون في روكروا (1643) ولنز (1648)، وأنساب الثالث من انتصارات فرنسا الدبلوماسية في معاهدتي وستفاليا (1648) والبرانس (1659)، وأتى الرابع من اختلاط الأدباء بالنبلاء والمثقفات من النساء في الصالونات، والحافز الأخير فقط هو الرعاية التي حظي بها الأدب من الملك والحاشية. وكثير من روائع العهد-كرسائل بسكال (1656) وخواطره، وطرطوف موليير (1664) ومسرحية وليمة التمثال الحجري (1665) ومبغض الشر (1666)، وأمثال لاروشفوكو (1665) وهجائيات بوالو (1667) وأندروماك راسين (1667)-هذه كلها كتبت قبل 1667 بأقلام رجال نموا وترعرعوا أيام ريشليو ومازاران.

ومع ذلك كان لويس أسخى راعٍ للأدب عرفه التاريخ كله. فما مضت سنتان على تسلمه مقاليد الحكم (1662-63)-أي قبل هذه الآثار الأدبية كلها باستثناء اثنين منها-حتى طلب إلى كولبير وغيره أن يكلفوا أشخاصاً أكفاء بوضع قائمة بأسماء المؤلفين والأدباء والعلماء من أي بلد ممن يستحقون أن تقدم إليهم يد المعونة. ومن هذه القوائم تلقى خمسة وأربعون فرنسياً وخمسة عشر أجنبياً معاشات ملكية(1). وأدهش الأديبين الهولنديين هاينسيوس وفوسيوس، والفيزيائي الهولندي كرستيان هويگنز، والرياضي الفلورنسي ڤيڤياني، كثيراً غيرهم من الأجانب، أن يتلقوا رسائل من كولبير تنبئهم بقرار الملك الفرنسي أن يمنحهم معاشات إذا وافقت حكوماتهم. وبلغ بعض هذه المعاشات ثلاثة آلاف من الجنيهات في العام. فعاش بوالو عميد الشعر الرسمي، على معاشاته كأنه إقطاعي كبير، وترك لورثته 286.000 فرنك نقداً، وتلقى راسين 145.000 فرنك طوال عشر سنين بوصفه المؤرخ الملكي(2). ولعل المعاشات الدولية كان بعض الدافع إليها الرغبة في كسب أرباب الأقلام خارج فرنسا، أما الهبات في الداخل فهدفها إخضاع الفكر، كما أخضعت الصناعة والفن للتنسيق والإشراف الحكوميين. وتحقق هذا الهدف، فأخضع النشر كله لرقابة الدولة، وأذعن الذهن الفرنسي للإشراف الملكي على تعبيره المطبوع، باستثناء مقاومة متفرقة ضئيلة. يضاف إلى هذا أن الملك اقتنع بأن هذه الأقلام المأجورة ستتغنى بمديحه نثراً وشعراً وتخلف للتاريخ صورة مشرقة له. وقد بذلوا في هذا قصاراهم.

ولم يكتف لويس بصرف المعاشات للأدباء، بل إنه حماهم واحترمهم، ورفع مقامهم الاجتماعي، ورحب بهم في القصور. وقال مرة لبوالو "تذكر أنني سأفرد لك دائماً نصف ساعة من وقتي(3)". وربما كان ذوقه الأدبي مسرف الانحياز إلى الخصائص الكلاسيكية، خصائص النظام، والوقار، وجمال الشكل؛ ولكن هذه الفضائل لم تكن في رأيه معينة على توطيد الحكم فحسب بل على إضفاء النبل على فرنسا. وكان من بعض الوجوه متقدماً على شعبه وبلاطه في أحكامه الأدبية. وقد رأيناه يحمي موليير من غدر النبلاء ورجال الدين، وسنراه يشجع أشد شطحات راسين.

وعملاً باقتراح آخر من كولبير، وترسماً لخطى ريشليو مرة أخرى، أعلن لويس أنه الراعي الشخصي للأكاديمية الفرنسية؛ ورفعها إلى مرتبة المؤسسات الحكومية الكبرى، ووفر لها الأموال الكافية، وهيأ لها مكاناً في اللوفر. وأصبح كولبير نفسه عضواً فيها. ولما أمر عضو، كان إقطاعياً كبيراً في الوقت ذاته، بأن يوضع له مقعد وثير في الأكاديمية، أرسل كوليير في طلب تسعة وثلاثين مقعداً على شاكلته حفاظاً على المساواة في الكرامة قبل الفوارق الطبقية، وهكذا أصبحت "المقاعد الأربعون" مرادفاً للأكاديمية الفرنسية، وفي 1663 نظمت أكاديمية فرعية للنقوش والرسائل لتسجيل أحداث العهد.

واستوثق كوليير من أن "الخالدين الأربعين" يكسبون رواتبهم بالانتظام في الحضور وبالجهد في تصنيف القاموس. وكان مشروع هذا القاموس الذي بدأ في 1638 يتقدم في بطء شديد، حتى استطاع بواروبير أن يعبر أبجدياً عن أمنيته في طول العمر، "لقد أنفقوا ستة شهور وهم مشغولون بحرف F، فليت قدري يمهلني حتى حرف G(4)".

كانت خطة القاموس معقدة شديدة التفصيل، فقد رأت تتبع كل كلمة مسموح بها طوال التاريخ استعمالاتها وهجاءاتها، ويشفع هذا بالكثير من الشواهد التوضيحية، وهكذا انقضت ست وخمسون سنة بين بدء مشروع، ونشر القاموس لأول مرة (1694). ولقد أسرف في فحص لغة الشعب، والمهن، والفنون، وشذب رابليه، وآميو، ومونتن، ورفض مئات التعبيرات التي تعين على الحديث الحي. فذات المنطق، والدقة والوضوح الذي جعل من الهندسة المثل الأعلى لعلم القرن السابع عشر وفلسفته، وذات السلطان والانضباط اللذان هيمن بهما كولبير على الاقتصاد ولبرون على الفنون، وذات الوقار والتأنق اللذان سيطرا على بلاط الملك، وذات التشبث الكلاسيكي بالقواعد الذي شكل أسلوب بوسويه، وفينيلون، ولاروشفوكو، وراسين، وبوالو- كل أولئك أملى قاموس الأكاديمية.

ولقد نقح وأعيد نشره دورياً، وكافح للاحتفاظ بالنظام في جسم نام حي، وهاجمت قلعته الكلاسيكية المرة بع المرة، وكثيراً ما اقتحمتها، أخطاء الشعب، ومصطلحات العلوم، ورطانة الحرفيين، وعامية الشوارع؛ والقاموس، شأنه شأن التاريخ والحكومة، مزاج من القوى بين ثقل الكثرة وقوة القلة. وقد خسرت اللغة شيئاً من حيث الحيوية، وكسبت الكثير من حيث النقاء، والدقة، والأناقة، والمكانة. أنها لم تنجب شكسبيراً هائجاً مائجاً، ولكنها أصبحت أعظم لغات أوربا احتراماً، وغدت أداة الدبلوماسية، ولسان الأرستقراطيات. وظلت أوربا قرناً وأكثر تهفو إلى أن تكون فرنسية.

تذييل لكورني 1643 - 1684

بلغت اللغة أوجها في السهولة المرنة التي أتسم بها حوار موليير، وفي بلاغة كورنيي الطنانة، وفي تأنق راسين الشجي.

أما كورنيي فكان يبدو في ربيع أدبه-وهو في السابعة والثلاثين-حين اعتلى لويس العرس. وقد بدأ العهد بملهاة "الكذاب" التي رفعت نبرة الملهاة الفرنسية كما رفعت "السيد" نبرة المأساة. ثم راح يدفع إلى المسرح بالمآسي كل عام تقريباً بعد ذلك، رودوجون (1644)، وتيودور (1645)، وهيراقليوس (1646) ودن سانشو الأراجوني (1649) وأندروميد (1650) ونيكوميد (1651) وبرتاريت (1652). ولقي بعض هذه التمثيليات استقبالاً حسناً، ولكن حين تعاقبت كل منها سريعاً خلف سابقتها، وضح أن كورنيي يتعجل الإنتاج، وأن عصارة عبقريته آخذة في النضوب. وضاع ولعه بتصوير النبالة وسط بحر من الجدل، وهزمت بلاغته ذاتها باستمرارها دون توقف. قال موليير "إن لصديقي كورني رفيقاً يلهمه أروع شعر في الدنيا. ولكن يحدث أن يتركه رفيقه ليرعى شؤونه، وعندها يتعثر شر تعثر(5)." وقد لقيت "بارتاريت" من سوء الاستقبال ما حمل كورنيي على أن يعتزل المسرح ست سنوات (1653-59)، وتناول نقاده في سلسلة من "الفحوص"، وفي ثلاث أحاديث عن الشعر المسرحي. وقد دلت هذه الأحاديث على صعود موهبته النقدية بهبوط ملكته الشعرية، وأصبحت ينبوعاً للنقد الأدبي الحديث، واتخذها درايدن نماذج حين دافع عن شعره المتوسط الجودة في نثر رائع.

وفي 1659 ردت كورنيي إلى خشبة المسرح لفتة تلقاها من فوكيه. وظفرت مسرحيته "أوديب" ببعض الاستحسان عقب ثناء الملك الشاب عليها، ولكن المسرحيات التي تلتها-سرتوريوس (1662)، وسوفونيسب (1663)، وأوتون (1664)، وآجيسيلاس (1666) وأتيلا (1667)-هذه كلها كانت قاصرة قصوراً لم يستطع فونتنبيل إزاءه أن يصدق أن كاتبها هو كونيي؛ وقال بوالو في بيت ساخر: "بعد أجيسيلاس، وا أسفاه! ولكن بعد أتيلا، قف!" وزادت مدام هنرييتا الطين بلة، مع أنها كانت عادة آية العطف والرقة، حين دعت كلاً من كونيي وراسين، بعلم من كل، إلى أن يكتب تمثيلية في ذات الموضوع-وهو بيرنيس، الأميرة اليهودية التي وقع في حبها تيطس الإمبراطور القادم. ومثلت بيرنيس التي ألفها راسين فيالأوتيل دبورجون في 21 نوفمبر 1670 بعد خمسة أشهر تقريباً من موت هنرييتا، ولقيت نجاحاً كاملاً. أما مسرحية كونيي "تيطس وبرينيس" فقد مثلتها فرقة موليير بعد ذلك بأسبوع، ولم تلق غير استقبال فاتر: وحطم فشلها روح كونيي. وجرب حظه ثانية بمسرحيتي "بولشيري" (1672) وسورينا (1674)، ولكن الفشل كان نصيبهما أيضاً. وأنفق كورنيي بعد ذلك السنين العشر التي بقيت له من أجله في تقوى هادئة مكتئبة.

وكان متلافاً، مات فقيراً برغم ما أجرى عليه لويس الرابع عشر من معاش وما نفحه به من هبات، وقد قطع معاشه دون قصد أربع سنوات، فلجأ كونيي إلى كولبير، فأمر برده إليه، ولكنه انقطع ثانية بعد موت كولبير. فلما نمى الأمر إلى بوالو أعلم به لويس الرابع عشر، وعرض أن ينزل عن معاشه لكورنيي. ولكن الملك بادر بإرسال مائتي جنيه للشاعر العجوز، الذي مات بعدها بقليل (1684) بالغاً الثامنة والسبعين وأبنه في الأكاديمية الفرنسية مزاحمه الذي كان قد خلفه، ورفع المسرحية والشعر الفرنسيين إلى ذروة تاريخهما، والتأبين ما زال مذكوراً لما حوى من سماحة وبلاغة.

الأدب الفرنسي من القرن السابع عشر كـُتِب طوال Grand Siècle في فرنسا، الذي شمل عهود هنري الرابع من فرنسا، ووصاية ماري دى مديتشي، لويس الثالث عشر من فرنسا، ووصاية آن من النمسا (والحرب الأهلية المسماة فروند) وعهد لويس الرابع عشر من فرنسا. أدب تلك الفترة كثيراً ما يـُساوى بكلاسيكية العهد الطويل للويس الرابع عشر، والذي خلاله قادت فرنسا أوروبا في التطور السياسي والثقافي؛ واستطرد كتـّابه في المُثـُل الكلاسيكية للنظام والوضوح والتناسب والذوق السليم. في الواقع، شمل الأدب الفرنسي في القرن السابع عشر أكثر كثيراً من مجرد الأعمال الكلاسيكية الكبيرة لكل من جان راسين و مدام دى لا فايت.

عصر ريشيليو

بعد أن جمع ريشليو الشعراء والأدباء في الأكاديمية الفرنسية وسيج من حولهم، نظر بعينه اليقظة إلى الصحفيين. ففي مايو 1631 بدأ تيوفراست رينودو، بمعونة من الكردينال، نشر أول صحيفة فرنسية سميت فيما بعد »گازيت دو فرانس«. وكانت تظهر أسبوعياً في هيئة فرخ يطوي ثماني صفحات، وتنشر من الأنباء الرسمية ما يسمح به ريشليو أو يمدها به، وأضافت بعض صفحات من »الأخبار العادية«. وكان لويس الثالث عشر من كتابها المألوفين. ورد فيها على ناقدي الحكومة ودافع عن نفيه أمه، وكان أحياناً يأخذ الفقرات التي يكتبها بشخصه ليشرف على صف حروفها، ولا عجب فالمرء -حتى إذا كان ملكاً-يستهويه أن يجد كلامه مطبوعاً. وكانت الصحافة الفرنسية منذ بدايتها أداة دعاية- وفي هذه الحالة وسيلة لشرح سياسات الدولة للقلة القارئة. وسرعان ما فقد الناس ثقتهم في الغازيتة وفضلوا أن يشتروا الورقات البذيئة التي يبيعها في الطرق أجراء أعداء الكردينال. أما أروج نتاج العصر الأدبي فقصة رومانسية. كانت روايات الفروسية آخذة في الزوال، لا لمجرد تهكم سرفانتس وغيره من الكتاب عليها، بل لأن الاقطاع الذي خضع الآن للملكية، كان يفقد المزيد من امتيازاته ومكانته. وحل محل قصص الفروسية أيام ازدهارها روايات رومانسية أليمة عن الرغبة المعوقة. وهكذا قرأ كل من ألم بالقراءة وملك الفراغ في عهد لويس الثالث عشر رواية »آستريه« (1610-19) التي ألفها أونوريه دورفيه. أما عبقرية المؤلف فانبعثت من جرح أصاب حبه. ذلك ان زوجته، التي سميت ديانا بحق، آثرت عشرة الصيد على عشرة الزواج، فكانت تؤكل كلابها على مائدتها وتشاركها فراشها. وكانت تجهض كل سنة(124). وأعتكف أونوريه في ضيعته وأخفى سيرته الحزينة وراء رواية رومانسية رعوية. وقد وجد دواء الكلام هذا ناجعاً، فزاد روايته إلى 5.500 صفحة في خمسة مجلدات صدرت على فترات من 1610 إلى 1627. وفي قصة غرام الراعي كيلادون بالراعية آستريه نسمع صدى لا نهاية له لقصة مونتماريو »ديانا العاشقة« وقصتي سانازارو وسدني »أركاديا«، ولكن الصدى كان هنا شجياً، وكان للرعاة والراعيات كل جمال البلاط الفرنسي وزينته، وحققت اللغة كل مطالب ندوة الأوتيل درامبوبيه، ونافست تجارب العشق المتنوعة تجارب هنري الرابع، وأبهجت عبادة المرأة ربات الصالون اللائي جعلن الكتاب دستور سلوك الحب الأفلاطوني. هنا ذلك الينبوع الفوار الذي جرت منه الرومانسيات العاطفية التي كتبتها الآنسة سكودري، والأبيه بريفوست (انطوان بريفوست دجسيل)، وصموئيل رتشاردسون، وجان جاك روسو-الذي صرح بأنه كان يقرأ الكتاب مرة كل عام طوال أكثر حياته. وظل سادة القصور الفرنسية والألمانية والبولندية وسيداتها، قرابة قرن من الزمان، يتخذون أسماء »لاستريه« ويلعبون أدوارها، وكرس نصف النثر المكتوب في فرنسا نفسه للرومانس.

أما النصف الآخر فاشتمل على بعض النثر الجدير بالذكر. فكانت »رسائل« جان لوي جي دبالزاك (1614 وما بعدها) في حقيقتها مقالات، قصد بها أن تعجب »المتحذلقات«، وشاركت فوجيلا وماليرب في تنقية اللغة، وساعدت على إعطاء النثر الفرنسي شكل العصر الكلاسيكي ومنطقه... أما بيير دبوردبي دبرانتوم، الذي عاش حياة مرحة في الجيش والبلاط، فقد ترك عند موته (1614) حزمة من المذكرات تفصل في ذوق غراميات النساء الفرنسيات، وفضائل كاترين مديتشي، وجمال ماري ستيورات، وظرف مارجريت فالوا، ومن المؤسف أن أروع قصصه لا يمكن التحقق من صحة نسبتها إليه. وكان يرى »أنه لا يحسن بالمرء أن يشيخ وهو في ذات الجحر، وما من إنسان شجاع فعل هذا قط، وعلى المرء أن يغامر بجرأة في جميع النواحي، في الحب كما في الحرب«. وفي لحظة أكثر حكمة اعترف بأن »أعظم ما ينعم الله به علينا في زواجنا هو الذرية الصالحة لا التسري«... وأما جاك أوجست دتو، القاضي ومستشار الدولة أيام صديقه هنري الرابع فقد ساعد في صياغة مرسوم نانت والمفاوضة على إصداره، وكرس نصف حياته لكتابة »تاريخ عصره« (1604-8)، وهو كتاب يتميز بعمق الدرس، وبالحياد والشجاعة في دمغ مذبحة القديس برتلميو لأنها »تفجر للجنون لا نظير له في تاريخ أي أمة«... وألف الدوق صلى، في شيخوخته وبمساعدة سكرتيره، كتابه المشهور »مذكرات عن الاقتصاديات الداخلية والسياسية والحربية، الحكيمة، الملكية، لهنري الأكبر، الذي أهداه »إلى فرنسا«، وإلى جميع الجنود الطيبين، وإلى جميع الشعب الفرنسي«. وفي آخر سني لويس الثالث عشر بدأت جماعة من اليسوعيين الفلمنكيين يتزعمهم جان دبولان نشر كتاب »اكتا سانكتورم« (أعمال القديسين) الذي أورد في نقد حذر سير القديسين حسب الترتيب الذي تخلهم به الكنيسة الكاثوليكية. وتابعت الجماعة هذا الجهد في حماسة على الرغم مما اعترى جمعية اليسوعيين من غير، حتى بلغت مجلدات الكتاب خمسة وستين عام 1910. وأحتج عليه بعض مروجي الأساطير، ولكن الكتاب مفخرة لعلم أعظم الطوائف الدينية تفقها. وأخيراً يجب أن ندرج في هذه القائمة للمرة الثانية ذلك الرجل المدهش كلي الوجود، ريشيلو، الذي غمس قلمه في كل ينبوع أدبي وترك لنا »مذكراته« - وفيها شيء من التحيز للكردينال، ولكن مكانها رفيع في ذلك الرتل الرائع من المذكرات الفرنسية التي لا ضريب لها في أي لغة اخرى. ولم يكثر صغار الشعراء مثل هذه الكثرة من قبل. فما زال الفرنسيون الأوفياء يقرءون، ولو في المدارس، تيوفيل دفيو، وفنسان فواتور، و أونورا دبويل، مركيز راكان. وقد جعلت غراميات تيوفيل الإباحية وشكوكه الفاضحة منه »فيون« عصره، وقد حكم عليه بالحرق ثم خفف الحكم إلى النفي. أما ذكاء فواتور المرح فقد جعله أكبر ظرفاء الأوتيل درامبوييه (وقد أوشكنا أن نقول أكبر ساخريه). وحين وعظ بوسويه وهو بعد في الثانية عشرة من عمره ذلك الصالون في منتصف الليل، قال فواتور أنه لم يسمع في حياته عظة تلقى مبكرة متأخرة كهذه.

وشرف هذه العهود الملكية شاعران كبيران. أما فرانسوا ماليرب فقد شرح المبدأ القائل بأن واجب كل عصر أن يرفض الماضي ويعكسه لكي يستمتع بنفسه. وكان رونزار العظيم لا يزال يغني في شباب ماليرب، وكان هو وجماعة البليارد قد هذبوا الشعر الفرنسي بتوجيهه صوب المثل والموضوعات الكلاسيكية، ولكن خلفاءهما كانوا الآن يهدهدون فرنسا وخليلاتهم بسونيتات حافلة بالألفاظ الأثرية، والعبارات الخيالية، والشحطات الإيطالية، والتقديمات والتأخيرات السقيمة، والتلميحات الغامضة، والأساطير العويصة. واستقر رأي ماليرب على أن الشعر الفرنسي قد أتخم بهذا كله.

وقد درس هذا الشاعر، الذي ولد في كان (1555)، في بازل وهايدلبرج، وأنفق سنوات في الأسفار، وكان قد بلغ الخمسين حين وصل إلى البلاط الفرنسي. وقد شق طريقه اليه برغم وقاحاته وكفرياته، وأصبح الشاعر الأثير لدى هنري الاكبر، ولكن هذا على أي حال اعطاه »من التحيات أكثر مما أعطاه من المال(125)«. وعاش يبيع شعره لمن يدفع أغلى الاثمان، وروج لبضاعته بالإطاحة بمن سبقوه. فقد أعلن الحرب - كما أعلنتها متحذلقات صالون رامبوييه - على الألفاظ التي تشتم منها الحلافة الريفية أو عمليات البدن الأقل شاعرية، فحرم التقديمات والتأخيرات، والألفاظ الغامضة، والتعبيرات العامية، والكلمات الريفية والغسقونية (شق على هذا الملك) والحشو، وتنافر النغمات، واللحن، والدخيل واللاتيني والفني من الالفاظ، والجواز الشعري، والقوافي الناقصة. وقال إنه يجب أن يكون منذ الآن جلال في الافكار، وبساطة ووضوح في التعبير، وتوافق في الايقاع، واتساق في الاستعارات، وترتيب في العرض، ومنطق في العبارة، والكتابة الجيدة يجب تنشر عبيرها وأن ترتاح لها الأذن، والتقاء الحرفين الصوتيين جريمة سمعية، ومرض تنفسي. وكان ماليرب يجرب أشعاره على آذان خادمه(126). فلنستنشق عبير إحدى قصائده - وهي »تعزية«، وجهها لصديق فجع �

Publicité
Publicité
Commentaires
Archives
Publicité
Pages
أدب و نقد
Publicité